التاريخ: 2023-08-30
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله الصادق الأمين أما بعد:-
سعادة الدكتور/ احمد محمد بحر رئيس المجلس التشريعي بالإنابة المحترم،،،
سعادة الأستاذ الدكتور/ نسيم شحدة ياسين رئيس رابطة علماء فلسطين المحترم،،،
سعادة أصحاب الفضيلة السادة العلماء الأجلاء كلٌ باسمه ولقبه وموقعه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:-
بداية نشكر رابطة علماء فلسطين على تنظيمها ورعايتها لهذا المؤتمر العلمي الهام،
المكائد الدولية لهدم الأسرة المسلمة (اتفاقية سيداو نموذجاً ).
بداية نكرر موقف القضاء الشرعي والذي اعلناه في الخامس عشر من يناير لعام 2020 في ورشة العمل التي نظمتها رابطة علماء فلسطين وقتها برعاية رئيسها الأستاذ الدكتور/ مروان محمد أبو راس حفظه الله،،، والذي قلنا فيه بالحرف الواحد " نحن في المجلس الأعلى للقضاء الشرعي نعلن عن رفضنا الكلي لإتفاقية سيداو، لمخالفتها الواضحة لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها العامة، ونعتبر توقيع السلطة في رام الله على هذه الاتفاقية خروجاً عن قيم المجتمع الفلسطيني وتعاليم دينه الحنيف، وانقلاباً واضحاً على القانون الأساسي والقوانين المعمول بها في فلسطين، ونطالب السلطة بضرورة سحب التوقيع عليها فورا ودون تردد لأنها أخطر الاتفاقيات الدولية التي تستهدف تدمير الاسرة المسلمة، وإخراج المرأة المسلمة عن رسالتها الفطرية، التي فطرها الله عليها ".
ولما كانت هذه الاتفاقية سيئة السيط والسمعة تنال من قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية في بلادنا، حيث دعت هذه الاتفاقية في المادة الثانية منها صراحة الى ( المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة على قدم وساق في الزواج والطلاق والميراث والنفقة والولاية .... وغيرها وفرض حماية قانونية لحقوق المرأة بالخصوص عن طريق المحاكم ذات الاختصاص من أي عمل تمييزي ضدها واتخاذ جميع التدابير المناسبة بما في ذلك التشريعي منها لتنفيذ وإبطال الأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزاً ضد المرأة حيث يلزم ان تكون هذه الحقوق والواجبات متساوية بين الرجل والمرأة في قانون الأحوال الشخصية ).
وهذا مناف تماماً لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها العامة حيث أن قوانين الأحوال الشخصية مستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية بمصادرها المتعددة المتفق عليها والمختلف فيها وأمام ذلك فإننا في المجلس الأعلى للقضاء الشرعي نؤكد على ما يلي:
أولاً: الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد لقانون الأحوال الشخصية مع مراعاة ما جاء في المذاهب الفقهية المتعددة بما يحقق المصلحة المعتبرة شرعا حيث ان الفقه الإسلامي يبحث جميع مسائل الحياة الانسانية ويحدد الموقف الشرعي تجاهها وقد قالوا ( أنه لا تخلو واقعة من حكم ) وإن الدعوة الى تحقيق المساواة الكاملة والمطلقة بين الرجل والمرأة إلى درجة المتماثل والتطابق يعد خروجاً عن الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، فلا يعقل أن يكون للمرأة نفس الحقوق والواجبات في مجال الأحوال الشخصية فيكون لها الحق أن تتزوج بأربعة رجال كما يتزوج الرجل بأربعة نساء وأن تطلق زوجها متى شائت وأنى شاءت وكيفما شاءت، وأن تساوي الرجل في الميراث ..... وغير ذلك من المسائل الأخرى التي يضيق الوقت بذكرها.
ثانياً: ومع ما ذكر في البند أولاً فإننا بحاجة ماسة الى قانون أحوال شخصية جديد يجمع بين الأصالة والمعاصرة ويستجيب للمستجدات الحاصلة في المجتمع بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها العامة حيث أن القوانين السارية في الأحوال الشخصية في بلادنا مضى أكثر من قرن، ويوجد تباين بين القانون المطبق في المحافظات الشمالية وما هو مطبق في المحافظات الجنوبية، ولا يمكن أن يبقى المجتمع الفلسطيني أسيراً لهذا التعدد والتقادم القانوني وما نتج عنه من جمود تشريعي يشل الحياة حيث أن هذه القوانين أصبحت عاجزة عن إيجاد الحلول لمتطلبات الواقع المعاش والتغييرات الجذرية الهامة على حياة الناس حيث ظهرت ثغرات قانونية واجتماعية كثيرة لهذه القوانين في محاكمنا الشرعية الفلسطينية سواء في غزة أو في الضفة الغربية هذا علاوة على الظروف الإستثنائية والوضع غير العادي الذي يعيشه أبناء الشعب الفلسطيني نتيجة الاحتلال وممارساته القمعية وحربه الضروس ضد وجودهم على ارضهم كل ذلك استدعى استحداث تشريع يحافظ على تماسك بنيان الاسرة الفلسطينية وإقرار قانون ينظم العلاقات فيها ويلبي احتياجات الناس ويستجيب لمتطلبات الحياة الجديدة حيث أنه لا ينكر تغيير الأحكام بتغيير الأزمان.
ثالثاً: يعد المجلس التشريعي الفلسطيني الجهة الوحيدة التي تصدر القوانين في شتى المجالات، وقد تم الاتفاق مع المجلس الموقر لإعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، وتم تشكيل لجنة للغرض المذكور من أصحاب الفضيلة قضاة المحكمة العليا الشرعية، وقضاة محكمة الاستئناف الشرعية بغزة وخانيونس لإعداد هذا المشروع، حيث ان السادة القضاة الذين تم تكليفهم يجمعون بين الكفاءة العلمية والتجربة العملية، ويحملون شهادات عليا في تخصصاتهم.
وكنت بصفتي رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي ورئيس المحكمة العليا الشرعية اتابع عمل هذه اللجنة عن كثب حيث تم بحمد الله عز وجل وضع مسودة هذا المشروع الواعد
ومراجعته مع اللجنة المذكورة على مدار جلسات متتالية حتى انتهينا من المراجعة النهائية لإيماننا القاطع أن قانون الأحوال الشخصية هو الأهم من بين القوانين التي ستصدر عن المجلس التشريعي حيث أن هذا القانون يهتم بتعزيز السلم الأهلي وتمتين الأمن المجتمعي حيث أن موضوعه الإنسان الفلسطيني قبل ولادته وأثناء حياته وبعد موته.
رابعاً: سارت لجنة اعداد مشروع قانون الأحوال الشخصية وفق فلسفة إسلامية مرجعيتها الشريعة الإسلامية الغراء حيث أن نصوص وأحكام مشروع هذه المسودة مستمدة من الشريعة الإسلامية فقط ، وقد نهلت اللجنة من المذاهب الشرعية المختلفة مع تغليب الراجح منها ولم تتمترس خلف مذهب فقهي واحد وقد راعت اللجنة الاستفادة من قوانين الأحوال الشخصية في البلاد العربية والإسلامية ودراسة تجربة الأشقاء التشريعية والعملية بالخصوص لنبدأ من حيث انتهى الآخرون، كما راعت اللجنة صياغة نصوص واقعية وعصرية مرنة بما يتناغم مع المعايير الدولية التي لا تختلف مع الإسلام ولا تتنكر لعقيدته.
خامساً: نؤكد على انه في المسائل الاجتهادية الشرعية يؤخذ بالأصلح من اقوال الفقهاء تحقيقاً لمصالح المسلمين، ومن هذه المسائل تحديد سن الزواج حيث ان المعول به حالياً في المحاكم الشرعية في قطاع غزة وحسب ما نصت عليه المادة الخامسة من قانون حقوق العائلة انه يشترط ان يكون سن الخاطب ثمان عشرة سنة فاكثر وسن المخطوبة سبع عشرة سنة فاكثر ، وان الزواج لأقل من هذا السن يلزم اذن فضيلة القاضي وان رفع هذا السن او خفضه يخضع لتحقيق مصلحة ودرء مفسدة ضمن اعتبارات يصدرها أصحاب الشأن الثقات العدول وليس إرضاء لجهة ما حيث اننا لا نجامل على حساب ديننا وعقيدتنا ومبادئنا.
وكذا ما جاء في تحديد سن المحضون عند النساء او الرجال فانه من المسائل الاجتهادية التي يصدرها ويقدرها أهل الاختصاص ولا ننسى ان المجلس التشريعي الموقر قام بتمديد سن الحضانة للنساء الأرامل اللواتي حبسن أنفسهن لتربية أولادهن ولم يتزوجن بعد وفاة أزواجهن.
سادساً: مع تقديرنا الكبير للمجلس التشريعي الموقر ممثلاً بالأخ العزيز فضيلة الدكتور/ أحمد محمد بحر حفظه الله،،، على جهده المميز في خدمة الدين والوطن فإننا نستحث المجلس التشريعي الموقر على الإسراع بإقرار قانون أصول المحاكمات الشرعية وقانون الأحوال الشخصية في أقرب وقت ممكن لتكتمل بذلك المنظومة القانونية للقضاء الشرعي حتى يقوم بأداء رسالته على وجه أكمل.
سابعاً وأخيراً: فإن انعقاد هذا المؤتمر بالمشاركة الواسعة والفعالة للسادة العلماء على اختلاف اجتهاداتهم يلزم أن يكون بداية انطلاقة واسعة وواعدة نحو أداء الدور الطليعي والريادي للسادة العلماء في تبني قضايا الأمة بمفهومها الشمولي وفي مقدمتها القضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية ( قضية فلسطين ) خاصة في ظل هذه الظروف التي تحياها الأمة من ضعف وذل وهوان وما يقوم به قطعان المستوطنين من تدنيس لقبلتنا الأولى ومسرى الرسول عليه السلام وارتكاب الجرائم المنظمة بحق شعبنا على مرأى العالم أجمع.
فتقدموا أيها العلماء وخذوا دوركم الطليعي في قيادة الجماهير نحو القدس والأقصى حتى يتحقق وعد الآخرة في النصر والتمكين وترفرف رايات الحق خفاقة وعالية على مآذن المسجد الأقصى المبارك ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبا.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم سماحة الشيخ الدكتور حسن علي الجوجو رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي ورئيس المحكمة العليا الشرعية